الطلاق .. غيابُ هُوِيَّة وتيهٌ ثقافي
منذ أيام استمعت لحوار للشيخ إسلام عامر، نقيب المأذونين، وذكر فيه أن 88% من حالات الطلاق في مصر خلال عام 2021 كانت خُلعًا، وفقًا لإحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء حول هذه الظاهرة، (بما يعني أن 880000 امرأة طلبت الطلاق عام2021م!).. وجميعنا معايش لهذه الوقائع الأليمة والعجيبة سواء في الجيرة أو العائلة أو البلدة أو مكان العمل، فالمشكلة لا تخفى على أحد.. فيا ترى ما القاسم المشترك؟ وما العلل الكبرى في تلك المشكلة؟
بعد تأمل وتجربة يمكنني القول بأن هناك ثلاثة أسباب مباشرة لهذه الظاهرة المخيفة وهي:
السبب الأول: الجهل وانعدام التقوى والورع
فالإسلام وضع نظامًا محكما للعلاقة بين الزوجين وسماه الميثاق الغليظ هذا الميثاق يكفل استمرار العلاقة الزوجية بالحب أو بعدمه فكما قال سيدنا عمر لرجل طلق زوجته لعدم حبه لها: " ردها، أو كل البيوت بنيت على الحب!" .. فهذا الميثاق قائمٌ على العدل ، ولكن العدل لا يعني مساواة الرتب فلقد قال تعالى:" وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ " (البقرة، جزء من الآية 288) ، لكن العدل يعني إعطاء كل ذي حق حقه، فلا يطغى حقٌ على حق عند الحق جلّ جلاله، فللزوج حق مقدس ثم للوالدين حق البر ، ثم للأصدقاء والزملاء حق بالمعروف.
نواة العلة هنا شطرها في الجهل عند تعارض الحقوق فيقدم حق على أخر فيحدث الخلل والشقاق، أو لا ترضى المرأة برتبتها فتطغى فيحدث العناد أو يتخلى الرجل عن قوامته فيحدث الفساد.
هذا في ناحية الجهل، وأما ناحية انعدام التقوى والورع فهو في كون العلم والدراية مع تعمد ركوب الهوى والتقديم على كلام الله والرسول.. والله تعالى يقول:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ" (الحجرات:1)
وعلاج هذا بيد الله فمن يرد الله به خيرًا يفقهه، ثم بيد الطرفين بالتحلي بالصبر واتهام النفس والبحث عن مراد الله في كل مشكلة تحدث بالاتصال معا بأهل الفقه والفتوى - وأحذر من سؤال غير دار الإفتاء أو الذين ملء السمع والبصر ، وتجنب المحاضرين والوعاظ والخطباء إلا من كان عالمًا مفتيًا وهذا نادر -. "وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا "(الأحزاب/36).
اقرا ايضامعالي الدكتور الفاضل كيف حال معاليك؟
السبب الثاني: التأثر بالمادة الثقافية - أفلام، ومسلسلات، وأغاني، وروايات- العلمانية
فللمسلم والمسلمة هوية وثقافة تضع للرجل دور القيادة وللمرأة دور ريادي خلف الرجل وفي ظل حمايته ليس أمامه ولا فوقه؛ لضعفها البدني والنفسي؛ ألا ترى أن الأحاديث صحت في أكثر أتباع الدجال أخر الزمان النساء والصبيان حتى أن الرجل يقيد نساءه خشية عليهن اتباعه!
لكن المرأة الممسوخة هويةً وثقافةً لا هي استطاعت أن تكون شرقية ولا غربية بل مسخ يحمل أسواء ما في العالمين.. فلا تمتعت بالتحرر ولا تهذبت بالفضيلة وهي بين بين مرة إلى هؤلاء ومرة إلى هؤلاء! وتلكم المنافقات.
وكذلك الرجل المسخ الذي أصابته برودة في الغيرة والنخوة! فتكاد لا ترى ذلك العربي الحر الدم صاحب الانفة والغيرة، ولكن ترى فسلاً هلهلاً مائلا مميل غير قانع ولا قاطع.. وكل ذلك بسبب التأثير الثقافي السلبي.
وعلاجه: استبدال تجرع الثقافة الغريبة بالموروث الشرقي الإسلامي فكم كتب ومؤلفات وقصص وحكايات وتاريخ و أخبار تتجرع منها المرأة أنوثة العربية الحرة الأصيلة ويتجرع الرجل منها الرجولة والشهامة والمروءة !
السبب الثالث: الأسر، والنفاق الاجتماعي
فكثير من الأسر لها الدور الأول في هذا الفساد العريض بتربيتها الخاطئة المشوبة بالأنانية والاتكالية وحب المادة لا الفضيلة.
وتربية الذكور على طبع النساء وتربية الإناث على طبع الذكور.. هذا ابتداءً.
ثم التدخل في كل شؤن الزوجين قبل وبعد الزواج، وي كأنهما ما ذالا طفلين يحتاجان الوصاية! ولو كانا في الثلاثينيات.
كذلك النفاق الاجتماعي بحب الظهور بمستوى أعلى وأكثر ثراءً ( لا أقول أكثر غنًا) وما ذلك إلا لمرض الشهرة والتفاخر مما يظهر معاير قبول ورضى أو رفض وسخط غير عقلانية لمن يتدبرها بقلب صافي.
علاجه: التربية على تحمل المسؤولية و الرضى بالقليل والعمل بالتنزيل والاستعداد ليوم الرحيل، وتقبيح الاسراف في كل شيء - ليس فقط في ماء الوضوء! -.
وأخيراً.. فالفقر و البطالة و الغلاء والشعور بالاغتراب يفقدوا أي إنسان القدرة على الاستقرار و تحمل المسؤولية والنهوض بأسرة يعجز عن تلبية كل احتياجاتها المادية أو المعنوية.
وشق العلاج هاهنا: على مستوى الزوجين التقشف والاستغناء والرضى بالأساسيات حتى تُفرج من قبل الكريم الرزاق - فالصبر والتحمل واجب على الزوجين في السراء والضراء - ، فمهما كان الحال لن يكون أسوء من حال العرب والمسلمين في شعب أبي طالب أو حتى بعده فكانوا من بساطة العيش وتربة اليدين والقلب -من سوى الله- الشيء الجميل.
فإذا كان ما سبق في الاعتبار ووجدت الضرورة في الطلاق لعدم صلاحية أحد الطرفين للأخر؛ لظهور فسوق أو سوء خلق كبير ومستمر، أو لخيانة أو كان الزواج بالإكراه.. حينها " وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ" (البقرة/ جزء من الآية:216).
#عمرأبوالخير
20/3/2022
تعليقات
إرسال تعليق