القائمة الرئيسية

الصفحات

في ذم الغدر والخيانة - عمر أبو الخير آل حبيب

في ذم الغدر والخيانة - عمر أبو الخير آل حبيب

في ذم الغدر والخيانة

أولاً: في القرآن الكريم:

- قال تعالى: وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ [النحل: 91] 
- وقال: وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً [الإسراء: 34] 
- وقال: وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ [البقرة: 177] 
وقال ابن رجب: (ويدخل في العُهود التي يجب الوفاءُ بها، ويحرم الغَدْرُ فيها: جميعُ عقود المسلمين فيما بينهم، إذا تَرَاضَوا عليها من المبايعات والمناكحات وغيرها من العقود اللازمة التي يجب الوفاءُ بها، وكذلك ما يجبُ الوفاء به لله عزَّ وجلَّ ممَّا يعاهدُ العبدُ ربَّه عليه من نذرِ التَّبرُّرِ ونحوه)
- وقال: وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ. [النحل: 92]

ثانيًا: في السنة النبوية:

- عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أربع من كنَّ فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدَّث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر  ))
رواه البخاري

قال العظيم آبادي: (وإذا عاهد غدر) أي: نقض العهد وترك الوفاء بما عاهد عليه.
- وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لكل غادر لواء يوم القيامة يعرف به)) رواه مسلم
- وعن أبي سعيد رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لكل غادر لواء عند استه يوم القيامة)) رواه مسلم 
قال ابن بطال: (دلَّ أنَّ الغدر حرام لجميع الناس، برهم، وفاجرهم؛ لأن الغدر ظلم، وظلم الفاجر حرام كظلم البرِّ التقي.

ثالثا : أقوال السلف والعلماء في الغدر

- قال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه: (الوفاء توأم الصدق، ولا أعلم جُنَّة أوقى منه، وما يغدر من علم كيف المرجع. ولقد أصبحنا في زمان اتخذ أكثر أهله الغدر كَيسًا، ونسبهم أهل الجهل فيه إلى حسن الحيلة. ما لهم قاتلهم الله؟ قد يرى الحول القلب وجه الحيلة، ودونها مانع من الله ونهيه، فيدعها رأي عين بعد القدرة عليها، وينتهز فرصتها من لا خريجة له في الدين). 
- وقال أيضًا: (إذا كان الغدر طبعًا، فالثقة بكل أحد عجز). 
- وقال ابن حزم: (الغدر، وهو الذي لا يحتمله أحد ولا يغضي عليه كريم، وهو المسلاة حقًّا، ولا يلام السالي عنه على أي وجه كان، ناسيًا أو متصبرًا، بل اللائمة لاحقة لمن صبر عليه). 
وقال ( أول من يغدر بالغادر من غدر له الغادر). 
- ولـمَّا حلف محمد الأمين للمأمون في بيت الله الحرام- وهما وليَّا عهد- طالبه جعفر بن يحيى أن يقول: خذلني الله إن خذلته. فقال ذلك ثلاث مرَّات. قال الفضل بن الرَّبيع: قال لي الأمين في ذلك الوقت عند خروجه من بيت الله: يا أبا العبَّاس أجد نفسي أنَّ أمري لا يتمُّ. فقلت له ولم ذلك أعزَّ الله الأمير؟ قال: لأنِّي كنت أحلف وأنا أنوي الغدر. وكان كذلك لم يتمَّ أمره 
- قال الأبشيهي: (وكم أوقع القدر في المهالك من غادر، وضاقت عليه من موارد الهلكات فسيحات المصادر، وطوقه غدره طوق خزي، فهو على فكِّه غير قادر). 
- وقال أيضًا: (أيُّ سوء أقبح، من غدر يسوق إلى النِّفاق، وأيُّ عار أفضح، من نقض العهد إذا عُدَّت مساوئ الأخلاق)
- وقال ملك لصاحب ملك آخر: أطلعني على سرِّ صاحبك، قال: إليَّ تقول هذا؟ وما ذاق أحد كأسًا أمرَّ من الغدر، والله لو حول ثواب الوفاء إليه لما كان فيه عوض منه، ولكن سماجة اسمه وبشاعة ذكره ناهيان عنه. 
- قالوا: الغالب بالغدر مغلول، والناكث للعهد ممقوت مخذول.
- وقالوا: لا عذر في الغدر.
- وقالوا: الغدر ضامن العثرة، قاطع ليد النُّصرة.
- كان يقال:لم يغدر غادر قط إلا لصغر همته عن الوفاء، واتضاع قدره عن احتمال المكاره في جنب نيل المكارم
- الوفاء أخو الصدق والعدل، والغدر أخو الكذب والجور، وذلك أنَّ الوفاء صدق اللسان والفعل معًا، والغدر كذب بهما؛ لأنَّ فيه مع الكذب نقض العهد.
- وأقول:  " إن للغدر لسكرات تقسي قلب الغادر على المغدور تجعله لا يبالي إلى أي حال صار ".

رابعاً : الغدر  في واحة الشعر

-قال أحد الشعراء:
يا بني الإسلامِ مَن علَّمكم    بعد إذ عاهدتم نقضَ العهود
كلُّ شيءٍ في الهوى مستحسنٌ  ما خلا الغدرَ وإخلافَ الوعود
- قال ثابت قطنة:
لا تحسبنَّ الغدرَ حزمًا فربما    ترقَّتْ به الأقدامُ يومًا فزلتِ
- وقال آخر:
فكم فيهم من واعدٍ غيرِ منجزٍ    وكم فيهم من قائلٍ غيرِ صادقِ
وفاءٌ كأنبوبِ اليراعِ لصاحبٍ    وغدرٌ كأطرافِ الرِّماحِ الدَّوالقِ.
- وقال آخر:
إنَّ الخيانةَ ليس يغسلُها     مِنْ خاطئٍ دمعٌ ولا ندمُ

خامسًا: عقوبة الغادر 

أ) في الدنيا: يسلط الله عليه من يغدر به في مأمنه ولا نجاة من عدل الله فمهما أتقى أن يغدر به لا محالة مصيبه من مأمن، فالغادر يعامله الله بعكس مقصوده، فلا يتم له أمر محمود فالغاية لا تبرر الوسيلة، والجزاء من جنس العمل.. جزاء وفاقا
و لا يغتر الخائن أو الغادر بلطف الله فإن الله لا يسامح في حق عباده ولا يخلف سننه ولا يبدلها.
ب) في أرض المحشر : يفضحه الله أمام المؤمنين ويجعل لواء غدره خلفه مباشرة ما يشفي صدر المغدور به.
ج) على الصراط: الغدر والخيانة من الكبائر باتفاق العلماء وهي من أصناف الظلم لما يوقع بالمغدور به من أذى لذلك فإن الغادر والخائن يعلق في قنطرة المظالم قبيل الجنة وفوق النار ويأتي المظلوم فيأخذ يومئذ من حسناته أو يطرح عليه من سيئاته لينجوا المظلوم من النار أو يرتقي منزلة في الجنة (ونعم جزاء الصابرين).

سادسا : صور الغدر

للغدر صور كثيرة، نذكر منها ما يلي:
1- نقض العهد (وهو ما اتفق عليه طرفان في أمر ذو شأن). 
2-خلف الموعد. 
3-فسخ العقود بغير وجه حق.
4-الكذب في العقد

سابعًا: أسباب الوقوع في الغدر

1- ضعف التربية وفساد البيئة.
2- حب الكفار وموالاتهم.
3- صحبة الذين اشتهروا بالغدر.
4- ضعف الإيمان بالله.
5- عدم التأمل في العواقب الوخيمة للغدر.
6- اللهث وراء الدنيا وملذاتها.

ثامنًا: مسألة فقهية

عاقد العهد على الأيمان المؤكدة ومنها الحلف على المصحف في ذمته عهد ويمين غموس.. فإن نقض اهتز عرش الرحمن لنقضه.
والأعمال التي تهز عرش الرحمن عظيمة وسيئها من سبب اللعن والعياذ بالله.
ومن الناحية الفقهية يكفر عن يمين وهذا جزء من حق لأنه سمي غموسا لوجوب غمس صاحبه في النار، والكفارة فيه جزء من حق وليست الحق كله.
بينما يرى كثير من أهل العلم أنه لا كفارة فيه لعظم حق الله فيه، فجعلوا صاحبه متروكا لقضاء الله - وهذا أخوف وأشد -.
فاتقوا الله واتقوا الأيمان التي جعلتم الله عليها وكيلا.
اسأل الله لي ولكم السلامة هذه الأيام.

تعليقات