الوحيان
س: ما هما الوحيان؟
الحمد
لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..
في تراثِنا الإسلاميُّ تنوعٌ رادعٌ لكل من تسولُ نفسه التطاولَ على هذا الدين , ومن هؤلاء الجهال: الذين ينكرون السنة, أو بعضها, أو يقللون من شأن ما صح منها, أو يتعرضون للرواة والمحدثين - عُدولِ هذه الائمة وحفاظ حديث نبيها شرف الإسلام وفخر المسلمين - .. يتعرضون لهم بالطعن وما همم ببالغيهم فهيهات هيهات أن يضر السحابُ نبحُ الكلابِ.
القرآن وحيٌ و الحديث وحيٌ:
فالقرآن الكريم
كلام الله -عزوجل- تكفل الله بحفظه فلما عجزت الإمم أن يأتوا بمثله تعرض
شياطينهم للوحي الثاني ,والذي هو السنة النبوية.. فأوعزت شياطينُهم الى المنافقين
في هذه الائمة زخرف القول غرورا وامدوهم بما تعلمون من متاع الحياة الدنيا..
فقالوا نحن القرآنيون نأخذ بالكتاب ولا
نعرف السنة, وقال آخرون في البخاري والصحاح ما لا يفقهون, وأرادوا أن يفرقوا بين
النصِ وتفسيرهِ ليحلوا برأي ساداتهم محل قول النبي صلى الله عليه ويسلم ..وما هذا
بكائن.
فقد تكفل الله بحفظ ما نزَّله.. علمه من علمه وجهله من جهله.
أيها الكرام:
لقد تحدث العلماء
قديمًا عن نزول السنة وحيًا كما القرآن, والذي يفرق بينهما أن القرآن كلام الله
وأوحي لفظا ونقل كما هو.. والسنة بيان لما نزل في القرآن هذا البيان نزل بمعناه لا
بلفظه فتلفظه النبي المعصوم بأبلغ ما يكون من كلام البشر وتصديق ذلك قوله عليه
الصلاة والسلام: " أعطيت جوامع الكلم " - رواه مسلم -.
وإليكم الأدلة على أنَّ السنةَ وحيٌ.
أولًا: من القرآن الكريم.
-
قوله تعالى: ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى , إِنْ هُوَ
إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى ﴾ [النجم: 3-4]
( دلت الآية
الكريمة على أنَّ السنة وحي من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم، وأنه معصوم فيما
يخبر به عن الله تعالى وعن شرعه؛ لأنَّ كلامه لا يصدر عن هوًى، وإنما يصدر عن وحي
يُوحى).[1] و(إنْ) في قوله تعالى: ﴿ إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى
﴾ نافية، بمعنى (ما)، و (إلاَّ) للاستثناء، وهذا أسلوب حصر، والمعنى: أنه صلى الله
عليه وسلم لا ينطق عن أيِّ باعث سوى الوحي؛ لأنه مُبَلِّغ عن الله تعالى.[2]
-
و قوله تعالى:
﴿ قُلْ لاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي
خَزَائِنُ اللَّهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ
إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى ﴾ [الأنعام: 50].
في هذه الآية أيضاً
أسلوب الحصر، والمعنى: (ما أفعلُ إلاَّ اتِّباع ما يوحى إليَّ، من غير أن يكون لي
مدخلٌ مَّا في الوحي، أو في المُوحى بطريق الاستدعاء، أو بوجهٍ آخر من الوجوه
أصلاً)[3]
-
و قوله تعالى: ﴿ وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ
وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ
عَلَيْكَ عَظِيمًا ﴾ [النساء: 113]. والحكمة هي السنة
- و قوله تعالى: ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ﴾ [آل عمران: 164]. والحكمة هي السنة
ثانيًا: الأدلة من السنة
-
وعن المقدام بن معد يكرب -رضي الله- عنه أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال :
فهل رأيتم هذا الذي أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم؟
وهذا واضح صريح في تلك السنة التي جاءت لبيان حكم شرعي
وما يتعلق بتبين القرآن, وأما ما كان من سنة فيما يعتمد على التمرس والخبرة فكانت الحكمة هي المشورة وذلك أيضًا من بعض
الوحي عملا بقوله تعالى ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا
تَعْلَمُونَ ﴾ (النحل:43)
ولقد ضرب الله على نبيه ما قد يقع للناس فيما بعد ليبين
لهم ما يصنعوه حينها, ومن أمثلة ذلك: مسألة تأبير - تلقيح – النخل – وتدبير الحرب –
والسهو في الصلاة – والنوم عن صلاة الصبح.. وغيرها
فما كان الدين تبعًا لهوى النبي صلى الله عليه وسلم وحاشاه أن يتكلم بهواه وقد برأه الله من ذلك , فالذين ينكون السنة أو يعطلونها ﴿ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَىٰ فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ﴾ (البقرة: 16)
﴿ يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ
بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ
الْكَافِرُونَ ﴾ (التوبة: 32)
وفي الختام:
فليست السنة بنفس درجة القرآن؛ فالقرآن قطعي الدلالة والثبوت , والسنة منها القطعي ومنها الظني ومنها الصحيح ومنها الضعيف فإن تقرر في النفوس تعظيم السنة واحترامها وقبولها دليلًا مقدمًا على الاجتهاد والرأي .. جاء دور أهل التخصص في الفقه والتفسير ليستنبطو ويوضحوا لنا ما تقصر عنه أفهامنا.
وصلّ اللهم وسلم على سيدنا محمد.
تعليقات
إرسال تعليق